dimanche 16 octobre 2011

بين الدّكتاتور العميل و الدّكتاتور "الوطني" ! (من وحي الثّورة السّوريّة)


كُتب يوم 3 جويلية 2011

تختلف ردّات الفعل على ثورات العرب باختلاف الحاكم المعني بالأمر و سياساته و الخيارات البديلة بعد سقوطه.فلئن اتفقت كلّ الشّعوب العربيّة تقريبا على مساندة ثورتي تونس ومصر، فإنّنا نرى تذبذبا فيما يخصّ ثورات ليبيا و البحرين و سوريا.
وهنا برز تصنيف للطّغاة العرب: الدّكتاتور العميل للقوى الغربيّة الذي يجب استغلال المناخ الثوري الحالي للتّخلّص منه والدّكتاتور "الوطني" الذي تتعدّد حوله الآراء فهناك من لا يستثنيه من مصير الصّنف الأوّل وهناك من يرى مقاومته للمخطّطات الأجنبيّة وعدم التأكّد من البديل شفيعا لهذا الدّكتاتور و مبرّرا لعدم تمنّي رحيله حتّى مع الإقرار بطغيانه و جبروته.

ففي الحالة اللّيبيّة، زيادة على "خفّة دمّ القذّافي" التي لم يكن البعض يعرف عنه سواها، والتي جعلت من الصّعب على الكثيرين التّكهّن بالفضاعات التي بإمكانه الإقدام عليها، فإنّ مقاومته للغرب، المعلنة على الأقلّ جعلت الكثيرين يخافون سقوطه لا حُبّا فيه وإنّما خوفا ممّن يأتي بعده، ثمّ أتت حدّة الفضائع التي لحقت بالمدنيّين لتجعل الدّفاع عنه أمرا صعبا .

في الحالة البحرينيّة نرى نفس الخوف الذي يُوجّه المواقف المساندة أو المعارضة للثّورة، فهذه الثّورة حاول العديدون حصرها في ثورة شيعيّة على حاكم سُنّي وهو عنوان لم يُخطئ هدفه ألا وهو اللّعب على المشاعر فالعربيّ الذي لا زالت ذاكرته تحتفظ بصور مؤلمة للمواجهات السّنّية الشّيعيّة في العراق والتي اتّهمت إيران أكثر من مرّة بإشعالها، هذا العربيّ صار يُخيفه الكلام عن المدّ الشّيعيّ و المشروع الإيرانيّ في المنطقة فتراه يُصنّف الشأن البحريني ضمن المصلحة العليا للأمّة و هذه المصلحة تُصادر حقّه في استنكار العنف و تصادر حقّه في التّعبير عن تضامنه مع المتظاهرين في مطالبهم المشروعة .


أمّا الحالة السّوريّة، فهي في ظنّي الحالة الأكثر تجسيدا للرّهاب الفكري لدى العرب :
فالشّعب السّوري يتعرّض لمجزرة حقيقيّة لكنّ الأصوات العربيّة التي تُجاهر بالدّفاع عن نظام الأسد ليست بالقليلة .
إذ نظامه يُعدّ إحدى آخر قلاع المقاومة الرّسميّة التي تصدّت للمشروع الغربي في المنطقة و يُذكر له أنّه لم يرضخ للضغوطات على شدّتها كما لم يخذل المقاومة في كلّ من فلسطين و لبنان و بالنّسبة للمواطن المحبط الذي خذله أغلب الحكّام فهذا أكثر من كافٍ لتعليق وسام وطنيّة و قوميّة على صدر نظام الأسد.


فإلى ماضٍ قريب عندما لم يكن أحد يحلم أن يستيقظ الشّارع العربيّ و يثور على جلاّديه كان أغلبنا يؤمن بأنّه إن لم يكن من مفرّ من حاكم دكتاتور فليكن دكتاتورنا مقاوما على الأقلّ.
أضف إلى ذلك ضبابيّة الرّؤية حول النّظام البديل و لا تُعطي الحالة اللّيبيّة الكثير من الأمل إذ تطرح المساعدات الغربيّة بالسّلاح و المال للمجلس الإنتقالي اللّيبيّ أكثر من سؤال حول استقلاليّة هذا المجلس و مدى مصداقيّة تمثيله للشّعب اللّيبي و إن كان الوقت مبكّرا للحكم عليه .

من هنا أيضا يأتي الحديث عن تحريك الغرب للثورات في بلدان الممانعة و على رأسها سوريا و هنا أقول أنّه أمر غير مستبعد لا بل  سيكون من الغريب أن لا يستغلّ الغرب ثورات العرب و ثورة السّوريين تحديدا على نظام يُعاديهم لكن في نفس الوقت لا يُمكن لأحد ادّعاء أنّ هذه الثّورة مجرّد نتيجة لمؤامرة غربيّة إذ مثل ذلك كمثل من يحاول تغطية الشّمس بالغربال فلا دخان من دون نار و لولا اشتعال نار الظّلم في صدور السّوريين لما لبّوا نداء الثورة صادقة كانت أو مُفتعلة.

في نفس السّياق يأتي خطاب حسن حسن نصر اللّه المدافع عن حليفه التّقليدي و المثمّن للإصلاحات التي أعلن عنها .
و أنطلق من هذا الخطاب لأقول أنّني بدوري كنتُ سأثمّن هذه الإصلاحات لو تمّ الإعلان عنها منذ البداية أمّا الآن و قد سالت أنهار من دماء الأبرياء فإنّ مساندة الثّوّار أصبحت واجبا لا خيارا.
شعرت بالخيبة من خطاب السّيد الذي لطالما احترمته و أعتبره خطأً كبيرا، و إن كنت أتفهّم عرفانه لنظام ساند حزب الله في وقت تخلّى فيه عنه الجميع كما أتفهّم رغبته في عدم فقدان هذا الحليف خاصّه مع عدم ضمان توجّهات من سَيليه، و هي نفس المخاوف التي يرتكز عليها عدد من المدافعين عن القضيّة الفلسطينيّة .

لهؤلاء أقول أنّني أشاركهم نفس المخاوف كما أنّني بدوري من أشدّ المؤمنين بعدالة القضيّة الفلسطينيّة فهل يُبرّر ذلك إنكار عدالة القضيّة السّوريّة اليوم؟! 
يقول رسول الله صلّى الله عليه و سلّم " قل الحقّ و لو كان على نفسك" كما أنّ السّاكت عن الحقّ شيطان أخرس فمتى نثور على الشّياطين الخرساء داخلنا ؟!

هل ستتمّ محاولة استغلال ما يحلّ بالنظام السّوري من قبل أعداء الأمّة ؟
قطعا نعم، بل أنّ الرّاكبين على الثّورة في الدّاخل قد سبقوا مستغلّيها في الخارج  في كيل الإتّهامات لهذا النظام و حلفائه و على رأسهم حزب الله و طالت هذه الحملة وطنيّتهم و دفاعهم عن قضايا الأمّة و المؤسف في الأمر أنّ هذه المزايدات كثيرا ما تصدر عن أطراف سياسيّة تُهلّل للثورة لا انتصارا للمظلوم بل تشفّيا من عدوّها السّياسي إذ عدد لا بأس به من هذه الأطراف التي تزايد اليوم على وطنيّة حزب الله مثلا ، عدد لا بأس به قد تحالف مع الدّولة العبريّة نفسها في بعض المراحل التّاريخيّة بل لعلّ بعضها لا يزال متحالفا معها و عليه فإنّ هذه المزايدات مردودة على أصحابها .


ألم يكن جمال عبد النّاصر قائدا قوميّا من الدّرجة الأولى و مع ذلك نكّل بالإخوان المسلمين شرّ تنكيل كما كان صدّام حسين عروبيّا حتّى النّخاح فهل يجعلنا ذلك نُغمض أعيننا عن تقتيله للأكراد! فانتقاد عبد النّاصر أو صدّام حسين ليس طعنا في قوميّتهما و
إنّما انتقادٌ لسياسات خاطئة كذلك انتقاد نظام البعث السّوريّ اليوم ليس إنكارا لمقاومته و إنّما استنكار لتقتيل الشّعب السّوري .

إلى المهلّلين للإصلاحات الموعودة أقول ذلك أمر يبتّ فيه السّوريّون وحدهم فإن قبلوا قبلنا و لكن أترى الإصلاحات تأخذ بثأر من ماتوا برصاص الغدر و في زنزانات التّعذيب؟ قد يقوم النّظام بإصاحات اقتصاديّة و اجتماعيّة و لكن هل تُراه يقتصّ للمظلومين من نظامه نفسه ؟! 
أم أنّه على السّوريين أن يكتفوا بفتات الحرّية و عفا الله عمّا سلف .

لماذا يحتقر العربيّ نفسه إلى درجة التّسليم بأنّ الدّكتاتوريّة أمامه والوصاية الأجنبيّة وراءه و ما من مفرّ؟
!لماذا لا تكون ثورة على الوصاية و الدّكتاتوريّة معا ؟!
ربّما لم يعش أبناء جيلي وقائع مجزرة حماة البشعة في الثمانينات التي أقدم فيها النّظام السّوري على قصف المدنيّين بالمدفعيّة، كأنّني بالتّاريخ يعيد نفسه فإن أفلت الآباء من المحاكمة فهل سيغفر التّاريخ أن يُفلت الأبناء أيضا؟! 

للّذين يتّخذون من المصالح العليا للوطن و على رأسها القضيّة الفلسطينيّة مطيّة أقول بئسا لمزايدات يلبس فيها الحقّ بالباطل، ألم يكن الجيش السّوري بلبنان يوم ارتكبت مجزرة صبرا وشاتيلا في حقّ الفلسطينيّن بحماية إسرائيلية و على يد عملائهم من القوات اللّبنانيّة حينها، فماذا فعل غير التّخاذل عن نجدتهم إن لم يكن الطّواطؤ مع العدوّ كما تؤكّد جهات عديدة.


إلى متى يتعامل العرب مع الحرّيّة كنوع من الرّفاهيّة يقبّل أيدي حكّامه بمجرّد منحه بعضا منها .
ثمّ إلى متى نظلّ رهائن جبروت حكّامنا و مخاوفنا على قضايانا معا فلا دكتاتويّة الحكّام هزمنا و لا قضايا الأمّة في ظلّهم نصرنا إذ نتشبّث بحكّام نحن أدرى النّاس بظلمهم لكنّنا نخاف قدوم الأسوإ بعدهم كتشبّث مريض بالسّرطان الذي عايشه حتّى صار يخاله جزء ا من جسده يموت باستئصاله !
فأيّ نصرة لقضيّة تُرجى من عبيد لم يتحرّروا بعد من احتقار الذّات و من الخوف داخلهم.


يقول تميم البرغوثي "إن من يقتل طفلاً بالتعذيب لن يحرر أرضاً ولن ينصر حليفاً ولن يغلب عدواً، وإن كان تحرير فلسطين يقتضي تعذيب أطفال الشام فأبقوها محتلة خير لأطفالكم وأطفالها"
فكفانا إذا بحقّ الله ركوبا على القضيّة الفلسطينيّة لإخفاء نفاقنا و جبننا وراء ستائر مضرّحة بدماء أبنائها .

*** Wafa BOUDGUIGA ***

https://www.facebook.com/note.php?note_id=248389645176959

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire