vendredi 28 octobre 2011

هذه أيضا عائلة تونسيّة : قصّة قصيرة


كان يعمل في حضيرة بناء بجانب منزلنا، ناداني طالبا قارورة ماء.
أحضرتها له فمدّ يدا شديدة الجفاف لتسلّمها، بشرتها متشقّقة من جمع الزّيتون خريفا و من من حضائر البناء باقي السّنة للإنفاق على عائلة لا يجد الوقت ليتمتّع بصحبتها.


فزوجته تشتغل في مصنع خياطة أجنبيّ ب250 دينارا ثمنها البقاء واقفة ستّة أيّام عمل في الأسبوع، تخرج وقت الفجر و لا تعود إلاّ بعد الغروب، ثمنها آلام في الظّهر و في القدمين أمّا المعالجة فلا تملك ثمنها.
ثمنها أيضا القبول بشتى أنواع الإهانات من قبل المشغّل الأجنبي و كذلك من قبل المسؤولين الذين يعيّنهم لترويض بني جلدتهم و إذلالهم فكلّما كانوا أقسى كلّما زادتْ منحهم، و من يتجرّأ على الإحتجاج على هدر كرامته يفقد عمله و يُعوّض في نفس اليوم، كيف لا و عشرات من أصحاب الشّهائد العاطلين يقفون يوميّا في طوابير أمام المصنع أملا في تعيينهم.


تعود إلى البيت مساءً، تسقي دجاجاتها و تجمع البيضات التي حصّلتها لليوم.
تبعث أكبر أطفالها ليشتري لها علبة معجون طماطم من دكّان يبعد كيلومترا عن البيت، يستجيبُ على مضض بعد أن هدّدته بأنّهم سيبيتون دون عشاء إن لم يذهب، فأطفالها العائدون من مدرسة تبعد كيلومترات عن البيت، لا يريدون إلاّ الإستراحة من عناء رحلة العذاب اليومي.


ينزع طفلاها الآخران جواربهما المبلّلة بسبب دخول مياه الأمطار داخل الأحذية المثقوبة، تجفّفها فوق  "الكانون" كي يعيدا لبسها في الغد.
يقتربان من الكانون لتدفئة أيديهما و أقدامهما المتجمّدة من البرد.


يعود ابنها ليعلمها أنّ الدّكّان رفض أي يبيعه علبة الطّماطم "بالكريدي" لأنّهم لم يسدّدوا ما عليهم منذ أربعة أشهر، تغضب، تغمغم و تسبّ ثمّ تصمتْ.
تحتار كيف ستطبخ هذه "العجّة" و ليس لديها شيء آخر في البيت، تذهب إلى جارتها فتُقرضها ملعقة من معجون الطّماطم، تعلم أنّها لا تكفي لكنّها تُسهب في شُكرها.


تحضّر العشاء و تُكثر من "الفلفل الأحمر" كي تعوّض نقص الطّماطم.
يشتكي أطفالها من أنّ العشاء "حارّ برشة" فتُقنعهم بأنّها مجرّد تهيّؤات.


تحضّر كأس شاي "زايد سكّر" لزوجها، يشربه على مهل علّه يحلّي به و لو فقط للحظات، حياة تسمّمه مرارتها، . 
في الأثناء تحضّر زوجته الفراش لأبنائها، تغيّر مكان الحصيرة لتلافي السّقف الذي يقطر.


تعود إليه فيحدّثها عن الدّيون المستحقّة عليهم من الدّكّان و الجار الذي أقرضهم مبلغا من المال و عن مُشغّله الذي تأخّر في دفع أجرته... و تحدّثه عن حاجة أطفالهم لأدوات مدرسيّة و أحذيّة.
أمام الإحساس بالعجز، يتّهم كلّ منهما الآخر بالإسراف فيتخاصمان.


يذهبان إلى النّوم، تنظر إليه فترى تجاعيد وجهه المتجهّم أكثر حدّة و عمقا على الضّوء الخافت للمصباح الزّيتي، فتدير له ظهرها و تنظر إلى أطفالها النّائمين في نفس الغرفة ثمّ تُغمض عينيها حالمة بغد ينجحون فيه في دراستهم و ينالون فيه أحسن الوظائف و لا يقفون فيه يستجدون شغلا استعباديّا على أعتاب معمل أجنبي كأصحاب الشّهائد الذين تراهم كلّ يوم.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire