vendredi 30 décembre 2011

عري فكري يتغطّى ب"قضيّة" المرأة

من وحي تعرية و ضرب و سحل متظاهرة مصريّة من قبل "العسكر" في شوارع القاهرة و من قبله حادثة فحوص العذريّة الإجباريّة على المتظاهرات.


المرأة العربيّة بما فيها التّونسيّة لم تنلْ بعدُ حرّيّتها.
فلا للقول كذبا بأنّها قد نالت حقوقها بالكامل.
نعم لتحرير المرأة في مجتمعاتنا العربيّة.

إنصاف المرأة لا يمرّ عبر التّشريعات و القوانين فقط بل عبر تغيير جذري للعقليّة السّائدة التي لا زالتْ تحتقر المرأة.

إعطاء المرأة المكانة التي تستحقّها في المجتمع لا تكفله قوانين تفرض على الأحزاب فرضا أن تكون 50% من أعضاء قوائمهم نساء فيستجيبون مكرهين ليضعوا نساء لا يثقون في أهليّتهنّ كديكور تمويهي و تنفضح عدم ثقتهم فيهنّ من خلال التّرشيحات الوزاريّة التي تكاد تكون المرأة مُقصاةً منها.

إحترام المرأة يمرّ عبر التّعامل مع الإنسان فيها قبل الأنثى.
إحترام المرأة يمرّ عبر الدّفاع عن الإنسانة التي ضُربت و سُحلت في مظاهرات القاهرة بدل الحديث عن تعريتها و إن كانت حقيقيّة أم مفتعلة و نوع ملابسها الداخليّة و مدى شرعيّة حجابها و حكم مشاركتها في المظاهرة.

إحترام المرأة يمرّ عبر استهجان قيام الجيش المصري بفحوص عذريّة إجباريّة و مهينة للحرمة الجسديّة للمتظاهرات اللّواتي تمّ احتجازهنّ بدل السّؤال عن نتائج تلك الفحوص، كأنّ للعذريّة علاقة بالتزام تلك الفتيات بقضيّة وطنهنّ، أو كأنّه بالإمكان الإرتكاز إلى بعض نتائج الفحوص لتبرير أيّ انتهاكات تمارس على تلك الفتيات و لإفلات الجناة من العقاب.

لاجدوى لقوانين تُعطي أفضليّة زائفة للمرأة إذا كانت العقول لازالت تقف عند جسدها عاجزة عن التعامل معها كإنسان.




هل حقّا قام التّونسيّون بثورة ؟



هل قمنا بثورة ؟ هل هي مجرّد انتفاضة؟ و إن كانت ثورة فهل اكتملت؟ و هل بلغنا برّ الأمان؟



الثّورة في نظري ليست ثورة على حاكم ظالم بل على الظّلم في المطلق و على جميع أسبابه و مظاهره.
و قد انتفض التّونسيون على حاكم ظالم و بدؤوا بناء مؤسّسات لتفادي تكرّر الظّلم.


لكنّنا لم نثر بعد على العادات السّيّئة في مجتمعنا.
لم نثر بعد على تبعيّتنا الإقتصاديّة التّاريخيّة بل أدّت بنا الإضرابات و الإعتصامات المزمنة إلى حاجة أكبر إلى الدّعم الخارجي في حين أنّ المتوقّع من ثائر يتحلّى بحسّ المسؤوليّة و الإنتماء إلى الوطن أن يعمل بجهد مضاعف لتحقيق استقلاليّة بلده و أمنها الإقتصادي.


كما أنّ المتوقّع من الثّائر الوطني أن يطالب بالقطيعة مع رؤوس الفساد و محاسبة المسؤولين عنه في الدّاخل و عدم التّعاون مع المنظّرين له في الخارج.
في حين نجد أنفسنا أمام تبريرات للتّغاضي عن الظّلم و التّعاون معه باسم سياسة المراحل و الذّكاء السّياسي و غير ذلك.


يبدو جليّا أنّ عزيمة البعض بدأت تفتر و بدأنا نستكين إلى التّصالح مع بقايا الظّلم دون محاسبة حقيقيّة مكتفين بأكباش الفداء، كما أنّ الإعتبارات السّياسيّة صارت أهمّ من أمور كنّا نخالها مبدئيّة كالتّعاون مع الجلاّد الدّاخلي و الجلاّد الخارجي و هنا يتنكّر "اليمين" أو التّيّار المحافظ لنفسه و للمبادئ و المحافظة التي يُفترض أنّه يقوم عليها .


و لليمين أسبابه الإقتصاديّة التي " يتعلّل" بها، و اليسار بشقّه الصّادق المدافع عن حقوق العمّال و بشقّه "الإنتهازي" المستغلّ لأوجاع العمّال لضرب غريمه السّياسي "اليميني"، يعطي غطاء شرعيّا للتّنازلات من خلال إضرابات قاتلة لاقتصاد البلد، في ظلّ فصل غير واضح بين الشّقّين.
كما أنّه يتخلّى عن الأغلبيّة وحدها في وجه ضغوط خارجيّة و تحدّيات أمنيّة داخليّة يُفترض إخراجها من دائرة التّجاذبات السّياسيّة و الإلتفاف جميعا لمواجهتها.


أمّا المواطن فبسكوته عن تنازلات هؤلاء و تعلّلاتهم و عن مطالب أولئك المجحفة فإنّه يقف موقف المتفرّج أو كالمسافر الذي يقف وسط الرّحلة لأنّه ليس لديه طول نفس لمواصلتها.
رحلة الثّورة لازالت متواصلة و رأيي أنّ اسقاط الدّكتاتور ليس كافيا، فمازال أمامنا الإلتزام بالمبادئ و الأخلاقيّات و بناء الإقتصاد معا، و إلاّ فإنّ "الثّورة" ستظلّ مبتورة.


أستغرب الرّغبة في اعطاء شقّ من هذه الإستحقاقات صبغة يمينيّة و الشّقّ الآخر صبغة يساريّة غصبا،
 فالذين أشعلوا الثّورة كان آخر همّهم اليمين و اليسار و الأحداث تثبت أنّ التّيّارين (إلاّ من رحم ربّي!) يلعبان لعبة السّياسة و أنّ المصالح السّياسيّة تُغلّب أحيانا كثيرة على المصلحة الوطنيّة، فكلّ طرف يستفيد من أخطاء غريمه و يتربّص به لا حرصا على خدمة الوطن بل حرصا على ابراز أفضليّته.


كما أنّه من المؤسف أنّ جزء ا منّا كمواطنين انخرط في هذه اللعبة غافلا أو واعيا بمباركة التّنازلات و التبعيّة أو بتبرير الإضرابات و إيقاف عجلة الإقتصاد كلّ حسب انتماء اته الحزبيّة.
بل و يبلغ الأمر أحيانا درجة الإمتناع الكلّي عن أيّ مراجعة للذّات و تبرير ما لا يُبرَّر و رفض الإعتراف بحصول أخطاء صارخة فقط لأنّ فصيله السّياسي هو من قام بها.


الثّورة لم تكتمل...
هذه الثّورة لم يشعلها المسيّسون، لكنّهم قد يقتلونها بتسييسهم لها.


Wafa BOUDGUIGA